ذلك اللعين الذى يطاردنى منذ نعومة أظافرى دون أى سبب واضح و لا أملك من أمرى شيئاَ سوى الهروب منه…لا أدرى ماذا فعلت له و ما الذى يريده منى كى يلاحقنى بهذا الإصرار العجيب !!….أهرب منه عندما يأتينى على هيئة أسرة تتنازع على هراء و يصرخون فى هوس تام فأجرى لأختبىء داخل نفسى و أضع كفى الصغيرتين على أذنى و أضغط بشدة محاولاَ منعه من الدخول إلى رأسى و أسمع قبضتيه و هما يضربان أبواب عقلى بعنف كى أفتح له و أبكى ذعراَ حتى يمل و يمضى و يسود الصمت…يأتينى فى هيئة أصوات تؤرق نومى و ينزع الأغطية من على جسدى ليلاَ و يتلاعب بمقابض الأبواب فأشد الأغطية بقوة على وجهى و أدفنه فى الوسادة و أضع الأخرى على صدغى حتى لا أسمع و لا أرى و أهرب بالنوم و أنا أرتعد غير قادر حتى على الإستنجاد بأحد…يمر على هيئة أشخاص تمارس أمراضها النفسية و سيطرتها القبيحة باعتراض طريق أحلامى و تهديد روحى و عرقلتى أثناء سيرى فى طريق الحياة بسلب ممتلكاتى و إنتهاك أفكارى و إقناعى بأننى ضعيف لا أقوى على حماية نفسى فأهرب…يأتينى فى هيئة أم أو أب يتركنى مبكراَ و يرحل بعيداَ إلى مكان لا أعرفه و لا أدرى عنه شيئاَ سوى بعض أوصاف يرددها من حولى و يتناقلونها أجيال وراء أجيال و يسمونها بالسماء فيمزقنى الحزن و ألم الفراق و أشعر بأنفاسه الباردة و قد إزدادت إقتراب من جانبى و هو يهمس بصوت قبيح لن تتمكن من الهروب طويلا و سأنال منك فأهرب بجنون أكثر…أبحث حولى فلا أجد أحدا فأشعر بيديه تخترق روحى و تمسك بتلابيب كيانى و تهزه هزاَ عنيفا فأصرخ كفى أرجوك أتركنى و شأنى فيتركنى و أنا مهترئا كورقة شجر سقطت وحيدة ذابلة سقطت من منبتها و لا تعرف طريقا للعودة و لا تدرى ماذا يخبأ لها المستقبل و تتخطفها الرياح…فأهرب و أهرب أهرب…إلى الحانات إلى بيوت العبادة إلى أحضان النساء إلى براثن المخدرات إلى أوكار المجرمين إلى شطآن البحار إلى الحارات الضيقة إلى الأموال الملوثة إلى مقاهى المثقفين إلى كل أركان الدنيا و لكننى فى نهاية كل ركن أجده أمامى جالساَ ينتظرنى فى هدوء مستفز واضعا ساق على الأخرى مطفئاَ سجارته فأهرب إلى الناس فى الشوارع و الطرقات أبحث عن يد تحنو أو تتلقف يدى التائهة فلا أجد إهتماما ولا أرى سوى أياد تدفعنى بعيدا بعنف و قسوة و حكم متعجرف و غضب و غيرة و تكبر و جفاء فأقف فى منتصف الطريق منهكاَ من الرحلة لا أستطيع أن ألتقط أنفاسى بسهولة و لا أتمكن من الحراك…لم أعد قادراَ على العدو…لم أعد أحتمل…فيظهر هو من بعيد يحيطه ضباب أسطورى و يمشى ببطء يمسك في يده صولجان و فى يده الأخرى طوق حتى يتملك منى تماما فيحيط رقبتى بالطوق و يسحبنى إلى مملكته فأسقط على ركبتى متعبا و بصوت مبحوح يختلط بالدموع أسأله : لماذا أنا ؟ ماذا جنيت ؟!! فتذهب إبتسامته القبيحة المنتصرة و يكفهر وجهه فجأة فيبدو أكثر قبحا مما هو عليه و يجاوبنى بصوت و كأنه صراخ ملايين الأصوات التى سقطت فى قبضته و إستسلمت و ماتت خوفا : أنت ملعون و أنا لعنتك و لا سبيل للخلاص منى سوى بالموت فاخضع ولا تقاوم فلا مهرب ولا ملجأ سوى إلى…و للحظة شعرت و كأننى لم أعد أملك ما أخسره و لم يعد هناك ما أتمنى الحصول عليه فلماذا أخاف و ما الذى قد يؤلمنى أكثر من هذا فنهضت واقفاَ أمامه و إستجمعت قواى قائلا و لكننى لن أهرب مرة أخرى و لن أستمر فى الجرى بعيداَ فلم يعد هناك أحد و لم يعد هناك مكان آخر للإختباء…ولا حظت ملامحه ترتجف فى شك و لأول مرة أرى وجهه مرتاب و أرى الخوف نفسه خائفاَ !! فأكملت بصوت واثق و للمرة الأولى فى حياتى ( أنا لست خائف منك ) و شعرت بالطوق يهتز بشدة و ينكسر من حول رقبتى فنزعته و ألقيت به بكل ما أملك من قوة فى وجهه و شاهدته يسقط على ركبتيه أمامى و يتضائل حجمه و إذا بالنار تشب فيه و إذا بى أكتشف فى نهاية الطريق أن الخوف كان ضئيلا منذ البداية…ضئيلا و ضعيفا..!!!